مقال

أسباب تزايد الجانب البشري في تصميم أماكن العمل 

من المتوقع أن تصبح أماكن وبيئات العمل أكثر مراعاةً للجوانب البشرية خلال السنوات العشرة التالية في محاولة للتأكيد على توفير تجارب لا تنسى تُغير طريقة عمل الموظفين وأماكن عملهم.

ديسمبر 25, 2017
أسباب تزايد الجانب البشري في تصميم أماكن العمل

من المتوقع أن تصبح أماكن وبيئات العمل أكثر مراعاةً للجوانب البشرية خلال السنوات العشرة التالية في محاولة للتأكيد على توفير تجارب لا تنسى تُغير طريقة عمل الموظفين وأماكن عملهم. ووسط حالة الغموض العامة التي نعيشها اليوم، نرى أن تنبؤاتنا بشأن التحول المرتقب في طبيعة أماكن وبيئات العمل هي تنبؤات قريبة جداً من الصواب حيث تعتمد على ما ذكره لنا ما يزيد عن 7000 موظف من مختلف أنحاء العالم أثناء دراستنا الجديدة: “بيئة العمل: التمكين من خلال التجارب الإنسانية”

وقد أشارت هذه الدراسة الدولية التي أجرتها شركة جيه أل أل أن أصحاب العمل والموظفين يرون أن التجارب البشرية عنصر أساسي وهام في تحديد شكل بيئة العمل في المستقبل القريب.

وها نحن نرى شركات عملاقة مثل جوجل بتعيينها مديراً لسعادة ورضا الموظفين وفيرجن بتطبيقها منظومة لمشاورة الموظفين في تصميم المكاتب تتصدر مشهد جعل الموظفين محور الاهتمام في تصميم أماكن العمل. ومن المنتظر أن تحذو كثير من الشركات هذا الحذو.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما سر هذا التركيز المفاجئ في ظاهره على التجارب البشرية بعد عقود من اعتبار هذه المسألة واحدة من القضايا الثانوية؟وقد تزايد إدراك المدراء لحقيقة أن أفضل الموظفين أداءً هم الموظفون الذين يستمدون الإلهام من بيئة عملهم ومن المؤسسات التي يعملون بها. وفي نفس الوقت، زادت مطالب الجيل الجديد من الموظفين، فأصبحوا يبحثون عن المؤسسات والشركات التي يؤمنون بقيمها ويشعرون في بيئتها بالدفء والراحة.

وتسلط دراستنا الضوء على الجوانب الرئيسية الثلاثة التي يلزم على الشركات والمؤسسات التركيز عليها وهي: إشراك الموظفين والتمكين وتحقيق الذات. ولعل جزئية إشراك الموظفين هي الجانب الذي ينصب عليه جُل تركيز الشركات والمؤسسات حيث تسعى من خلال ذلك إلى توضيح الأسباب التي تدفع الموظفين على الالتزام بالعمل معها. ولكن النجاح في إشراك الموظفين غالباً ما يأتي في زيادة تمكين الموظفين ومساعدتهم على تحقيق ذاتهم.

ويعتبر زيادة دور الأتمتة والعمليات الروبوتية من العوامل الأساسية الدافعة للتغير. وفي هذا الشأن، يقول كالوم تشانس في كتابه “التفرد الاقتصادي”: “ومن المتناقضات أنه كلما زادت فاعلية نظام مؤتمت، زادت أهمية مساهمة العنصر البشري”.

ومن المسلم أن الذكاء الصناعي وغيره من أشكال الروبوتات سوف يحل محل بعض الوظائف البشرية الحالية. ولكن نجاح الذكاء الصناعي يستلزم الارتقاء بدور البشر في مؤسسات الأعمال، مما يعني أن المؤسسات سوف يلزم عليها توفير المساحة والمكان المناسبين لموظفيها من أجل تحفيز الابتكار والتواصل عبر تجارب بيئات العمل.

منظومة أماكن العمل

من الممكن الربط بين مكان العمل وبين الطبيعة الأم، إذ يعتبر مكان العمل – إلى حد ما – المنظومة البيئية التي نعيش فيها. وفي عالم الحيوان والنبات، كلما اتسع نطاق الموارد والمتغيرات التي تتوفر في بيئة معينة، تنوعت المخرجات هي الأخرى، وهو ما يعني عادةً زيادة عدد الفصائل والأنواع التي يُمكن أن تعيش في هذه البيئة. وعندما نطبق هذا المفهوم على بيئة العمل جيدة التنظيم، نجد أن هذا قد يؤدي إلى زيادة نطاق الأفكار والمنتجات والاستراتيجيات لصالح الشركة أو المؤسسة.

ترغب الشركات والمؤسسات في مساعدة موظفيها على التواصل وشعورهم بالمشاركة والتمكين. ويُمكن للشركات والمؤسسات تحقيق هذا الهدف من خلال إدارة مكاتبها ومقراتها. ويُظهر الاستبيان الذي أجرته جيه أل أل تجنب الموظفين العمل في بيئات وأماكن العمل التقليدية ورغبتهم في بيئات العمل القائمة على النشاط التي تحفز فيهم الشعور بالمشاركة والانتماء إلى المجتمع. فقد أشارت نسبة كبيرة من الموظفين ا لمشاركين في الاستبيان (37%) إلى رغبتهم في الهروب من المكاتب التقليدية، بينما تبحث نسبة أخرى (40%) عن أماكن عمل تحفز نشاطهم والأماكن المصممة من أجل المساعدة على التركيز (47%).

ولكن وكما تختلف سمات الموظفين وتفضيلاتهم، تختلف بيئات وأماكن العمل. ولذا، قمنا بتصميم أداة تشخيص تساعد كل شركة على تحديد موضعها في الرحلة نحو تعزيز التجارب الإنسانية وتحديد الجوانب التي يلزم أن تركز عليها من أجل تدعيم الجوانب الإنسانية في بيئة عملها وزيادة فاعليتها من أجل تعزيز إشراك الموظفين وتمكينهم ومساعدتهم على تحقيق الذات.

تجسيد قيم الشركة من خلال تصميم أماكن العمل

ويمكن في العادة تعزيز إشراك الموظفين من خلال القيادة القوية. وتسعى أغلب الشركات والمؤسسات إلى أن تكون عادلة ومنصفة وأن تحقق لموظفيها الأمن المالي وأن تلبي احتياجاتهم. وتجدر هنا الإشارة إلى أن التمكين وتحقيق الذات لهما تأثير قوي على العقارات، فعادة ما يشارك الموظفون الذين تُمكنهم شركاتهم في تصميم البيئة المادية المحيطة. بينما يعرف الموظفون الذين يشعرون بتحقيق ذاتهم أن احتياجاتهم يُنظر إليها بعين الاعتبار عند تصميم أماكن العمل. وأشار تسعة تقريباً من كل عشرة مشاركين (87%) إلى رغبتهم في زيادة التركيز على هذه الجوانب، فهم يرون أن تعيين مدير لسعادة ورضا الموظفين يكون مسؤولاً عن إشراك الموظفين وتمكينهم وتحقيقهم لذواتهم، خطوة مرجوة على الطريق.

ولا شك أن أغلب الموظفين الذين قضوا عشر سنوات أو أكثر في سوق العمل قد عايشوا بيئات العمل التقليدية التي اتسمت بتصميماتها الجامدة التي يتعين على الموظفين التأقلم معها. وفي حين يجري العمل حالياً على تصحيح وتعديل هذا المفهوم، لا تزال هناك رحلة طويلة للوصول إلى بيئة العمل المرجوة.

ومن المنتظر أن تحصد الشركات التي تركز على جعل تجارب الموظفين محور اهتمام في تصميم أماكن العمل، من أجل مساعدة الموظفين على الوصول إلى مزيج حقيقي بين الحياة الشخصية والعمل، ثمار هذه الجهود. ونحن نعتقد أن أكثر الشركات والمؤسسات مرونة وقدرة على الاستمرار هي تلك الأكثر قدرة على التأقلم مع التطورات، كما هو الحال مع أكثر أنواع الفصائل مرونة وقدرة على الاستمرار في المنظومة البيئية الطبيعية. وسوف تبدأ تلك الشركات في تجريب أشكال مختلفة من بيئات العمل المادية في مواقع مختارة مع قياس النتائج للوقوف على مدى تأثير هذه التغييرات على أعمال الشركة وربحيتها. ومن ثم، سوف تنظر هذه الشركات في الدمج بين فرق الموارد البشرية والعقارات لديها من أجل ضمان أن يكون الأفراد هم محور اهتمام أجندات عملها. وسوف أتناول هذه الموضوعات وغيرها في مقالاتي في الأشهر القادمة.

وعلينا أن لا ننسى أن تعزيز التجارب البشرية يعني زيادة التعقيد وأن التعقيد جزء رئيسي من منهج الاستمرار والنجاح للأعمال في المستقبل.

هل ترغب في معرفة المزيد؟ تواصل مع الفريق