مقال

رؤية واستراتيجية قطاع الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

بالتزامن مع التقدم الاقتصادي الذي تشهده بلدان المنطقة، يرتفع أيضاً نصيب الفرد من الإنفاق على قطاع الصحة بمستوى تناسبي

أغسطس 17, 2017

بالتزامن مع التقدم الاقتصادي الذي تشهده بلدان المنطقة، يرتفع أيضاً نصيب الفرد من الإنفاق على قطاع الصحة بمستوى تناسبي. ومن المتوقع أن يزيد الإنفاق العالمي على قطاع الرعاية الصحية من نحو 8 مليارات دولار في عام 2013 إلى ما يقرب من 18 مليار دولار في عام 2040 بالدولارات المعدلة حسب القوة الشرائية.

ومن المتوقع أن يرتفع الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى نحو 150 مليار دولار في عام 2020. وبتسليط الضوء على منطقة الخليج، سيبلغ نصيب تلك المنطقة من الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية 70 مليار دولار تقريباً ومن المرتقب أن يزيد معدل النمو السنوي المركب عن 12%، وهي أعلى نسبة بين جميع مناطق العالم.

العوامل الرئيسية

يشهد الطلب على خدمات الرعاية الصحية عالية الجودة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نمواً هائلاً. ومن بين العوامل الرئيسية في ذلك ما يلي:

  • تزايد عدد السكان، فخلال الأعوام الستة الماضية ارتفع عدد سكان المنطقة بنسبة 1.9% سنوياً، ليصل إلى نحو 470 مليار نسمة، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 1.1%. كما يعد طول عمر السكان عاملاً مساهماً آخر.
  • الحاجة لزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي
  • توقع استمرار الانتشار المتزايد للأمراض المرتبطة بنمط الحياة في دفع الطلب على خدمات الرعاية الصحية في مختلف أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
  • تطور قطاع التأمين الصحي، بما في ذلك قيام الحكومات بجعل التأمين الصحي إلزامياً في منطقة الخليج بحلول عام 2020، مما سيعمل بمثابة عامل دافع مهم لزيادة استثمارات القطاع الخاص
  • الدافع القوي لدى بعض البلدان في هذه المنطقة لتطوير قطاع الصحة والرفاهية الصحية. فقد استقبلت دبي نحو 14.9 مليون سائح وتستهدف أن يصل هذا العدد إلى 20 مليون زائر بحلول عام 2020. ومع استمرار هذه الأعداد في النمو سيساعد قطاع الرفاهية الصحية في زيادة متوسط طول مدة الإقامة في المدينة وهو ما يعد عاملاً مساهماً قوياً
المبادرات الإقليمية

واستجابة لهذا الواقع، رأينا خططاً لتنفيذ عدد من مشروعات الرعاية الصحية الضخمة، كما أن هناك مشاريع أخرى قيد التطوير. وانطلاقاً من إدراكها لضرورة الدور الذي تلعبه الرعاية الصحية على المدى الطويل في تنمية شعوبها، تدعم حكومات المنطقة قطاع الرعاية الصحية وتحرص على الاستثمار فيه.

وتحتل دبي على وجه الخصوص مركز الصدارة في إرساء البنية التحتية لقطاع الرعاية الصحية. فعلى سبيل المثال، تم تدشين المنطقة الحرة للرعاية الصحية المعروفة باسم “مدينة دبي الطبية” منذ 15 عاماً.

كما طبقت حكومة دبي مؤخراً برنامج “مسرعات المستقبل” في عدد كبير من القطاعات والذي تقوم من خلاله بالمزاوجة بين شركات المواهب والتقنية العالمية والهيئات الحكومية لتقديم حلول تحويلية. ومن بين المبادرات التي أطلقها هذا البرنامج في قطاع الرعاية الصحية إمكانات استخدام الأطراف الصناعية ثلاثية الأبعاد، التي تمهد لاتباع نهج مبتكر للغاية لإيجاد الحلول في قطاع الرعاية الصحية.

كما نفذ القطاع الخاص استثمارات كبيرة في قطاع الرعاية الصحية، إدراكاً منه للفرصة طويلة المدى لهذه الفئة من الأصول العقارية، إذ نجد أنه حتى في بعض أسواق التملك الحر الكبرى مثل دبي وأبوظبي، والتي تستهدف جمهوراً أكثر رقياً من المشترين الدوليين، يحرص مطورو المجتمعات الكبيرة على إدراج العيادات ومرافق الرعاية الصحية غير المتخصصة ضمن عناصر المشروع لإضافة المزيد من القيمة للمشروع متعدد الاستخدامات.

آفاق المستقبل

عندما ننظر إلى المرحلة التالية وضرورة التعامل مع واقع أسعار النفط في عام 2017 التي بلغت مستويات مختلفة تماماً عما كانت عليه منذ بضع سنوات مضت، نرى أنه من المرجح أن يتزايد دور الشراكات بين القطاع العام والخاص في تمويل مشروعات الرعاية الصحية مقارنةً بنموذج الاقتصار على التمويل الحكومي. وكانت هناك العديد من المشروعات التي تبلورت بنجاح في بلدان عبر أوروبا وأمريكا الشمالية.

 وأحرزت بالفعل بعض حكومات المنطقة تقدماً سريعاً للغاية في هذا الصدد. فقد سنّت دبي قانوناً للشراكة بين القطاع العام والخاص في سبتمبر 2015 وأقر مجلس الوزراء الإماراتي قراراً للشراكات بين الهيئات الاتحادية والقطاع الخاص في وقت سابق من العام الجاري. وعلى نفس المنوال، أعلنت السعودية أن الشراكات بين القطاع العام والخاص ستلعب دوراً رئيسياً في تحقيق رؤيتها الطموحة 2030 التي أطلقتها في أبريل 2016. ومما لا شك فيه أن هذه المبادرات ستكون بمثابة عامل حافز خلال السنوات القليلة القادمة لمختلف قطاعات البنية التحتية بما فيها الرعاية الصحية.

وتتراوح تكاليف الاستثمار في المستشفيات بين 700 ألف دولار إلى 1.1 مليون دولار لكل سرير في المستشفى، مما يخلق عائقاً كبيراً أمام المستثمرين الجدد في هذه المشروعات. ومع مضي الوقت سيكون من اللازم تقديم المزيد من الحوافز مثل الحوافز الضريبية لجذب المزيد من المؤسسات والشركات الدولية خاصة في المجالات المتخصصة مثل رعاية القلب والأوعية الدموية وعلاج السرطان.

ومن بين المجالات الأخرى التي يلزم معالجتها مع استمرار نمو قطاع الرعاية الصحية الحاجة لتوفير جامعات طبية على مستوى عالمي لتوفير رأس المال البشري اللازم لاستدامة النمو الإقليمي.

ورغم أن الكثير من دول منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصفة عامة لا تزال قادرة على اجتذاب المواهب الوافدة في المجال الطبي، سيكون من المستدام بشكل أكبر بكثير خلال المرحلة المقبلة أن تقوم دول المنطقة بتوفير هذه المواهب محلياً من بين قاعدة الشباب الكبيرة التي ستدخل إلى قطاع الأيدي العاملة خلال السنوات القادمة. وثمة مجال آخر يلزم أن ينمو جنباً إلى جنب مع هذا التوجه ألا وهو الاستثمار في البحوث الطبية التي تشكل جزءاً مهماً من استثمارات حكومات دول مجموعة السبعة وكذلك مجموعة العشرين.

وقد قطعت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أشواطاً كبيرة بلا ريب خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً في قطاع الرعاية الصحية ومع استمرار تركيز الحكومات الإقليمية على مواجهة التحديات، سيظل مستقبل هذا القطاع باعثاً على التفاؤل.

هل ترغب في معرفة المزيد؟ تواصل مع الفريق