مقال

مفهوم التخطيط الحضري الجديد يتصدر المشهد في الشرق الأوسط

مشاريع التطوير الجديدة في المنطقة ابتداءً من دبي إلى الرياض تستهدف تلبية احتياجات السكان والشركات المحلية بشكل أفضل

يوليو 22, 2019

تعكف الدول في منطقة الشرق الأوسط على إعادة النظر في طرق ومنهجيات تخطيط وتصميم مشاريع التطوير الضخمة، إذ تسعى هذه الدول إلى تحسين مستوى معيشة سكانها.

ونشهد حالياً موجة من المشاريع الكبرى في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بدءًا من تطوير مدينة نيوم المستقبلية العملاقة في المملكة العربية السعودية بتكلفة 500 مليار دولار إلى مدينة مصدر في أبوظبي.

والملاحظ أن جميع هذه المشاريع تستكشف طرقاً جديدةً لدمج المزيد من المنشآت الترفيهية والثقافية، والنهوض بمستويات المعيشة، كما تشجع هذه المشاريع منهجاً جديداً في عملية التخطيط يعتمد على زيادة التعاون والمشاركة بين مختلف الأطراف المعنية.

وفي هذا الشأن، ترى دانا سلباق، مدير أول قسم البحوث في جيه إل إل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن تزايد الميل إلى المزج بين عناصر الترفيه والتسلية والضيافة ومشاريع المساحات الإدارية ومنافذ التجزئة والوحدات السكنية يفتح المجال أمام مستقبل واعد، وخطوة مُرحب بها بعيداً عن عقلية المطورين الذين ينحصر تفكيرهم في بناء مشاريع عقارية تقليدية.

لقد أصبح القرب من مكان العمل أو وسائل الراحة، سواءً كانت خيارات التسوق أو الترفيه، عنصراً يسترعي مزيداً من الاهتمام عند إعداد المخططات الرئيسية للمشاريع العقارية، إذ يتزايد استيعاب المطورين لأهمية الربط بين هذه العناصر، سواءً بالنسبة للأفراد أو الشركات، عند التخطيط لهذه المشاريع الكبرى.

الاحتياجات المتغيرة

تُعتبر العديد من المشاريع المُنفذة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جزءاً من الاستراتيجيات طويلة الأجل وليست مجرد استجابة لتوجهات قصيرة الأجل.

وتعليقاً على هذه الجزئية، قالت دانا: "يُعزى هذا الأمر فعلياً إلى التركيبة السكانية، فمن المتوقع أن ينمو تعداد سكان المملكة العربية السعودية بأكثر من 8 ملايين نسمة بحلول عام 2030، وتعتمد قرارات القيادة على ذلك بقدر كبير".

وللنظر على سبيل المثال إلى مشروع حديقة الملك سلمان في وسط الرياض حيث ينتظر أن تكون أكبر حديقة في العالم، بمساحة تصل إلى أربعة أضعاف مساحة حديقة سنترال بارك في نيويورك. ويأتي هذا المشروع ضمن برنامج جودة الحياة، وهو أحد برامج تحقيق رؤية 2030، ومن المقرر الانتهاء من هذا المشروع في عام 2025.

ولن تكتفي حديقة الملك سلمان بزيادة الرقعة الخضراء في المدينة، بل ستضم أيضاً أكثر من 160 عنصر جذب في مجالات الرياضة والفن والثقافة بما في ذلك ملعب للجولف وستة متاحف ومركز للواقع الافتراضي.

وتتميز الحديقة أيضاً بارتباطها الجيد بشبكة النقل العام في مدينة يتنقل معظم سكانها في سياراتهم الخاصة. وعندما يتضمن مشروع من هذا النوع والحجم 12000 وحدة سكنية وعدداً من الفنادق ومتاجر التجزئة والمساحات المكتبية، فإن هذا قد يغير الطريقة التي ينظر بها الناس إلى مشاريع التنمية الحضرية. وفي إشارة إلى الجهود التي تبذلها المملكة مؤخراً لزيادة تملك السعوديين للمنازل، قالت دانا أن هناك طلباً كبيراً على المنازل من داخل المملكة نفسها.

وتضيف دانا: "هناك ابتعاد واضح عن نمط الفيلات السكنية التقليدية المحاطة بأسوار وبوابات نحو نمط حياة أكثر انفتاحاً على البيئة الحضرية، ولا سيما بين الشباب ذوي الأذواق الجديدة. وقد بدأ المطورون بالفعل في إدراك ذلك".

التأهب للمستقبل

لا شك أن تحسين جودة الحياة هدف رئيسي في جميع دول المنطقة، ولكن الجمهور المستهدف قد يختلف اختلافاً كبيراً من دولة لأخرى حيث تستهدف المملكة العربية السعودية المواطنين السعوديين في المقام الأول، بينما تستهدف دبي وأبوظبي تلبية احتياجات شريحة الوافدين الكبيرة. وفي شهر يونيو، أطلقت الإمارات العربية المتحدة خطة مدتها 12 عاماً لتحسين جودة الحياة على مستوى الدولة من خلال 90 مشروعاً جديداً يرمي إلى تعزيز الصحة الجسدية والنفسية والرقمية للسكان.

ولا يسعنا أن نلاحظ أن هذا الاتجاه قد انطلق من أقوى قاعدة له في المنطقة حيث احتلت دبي وأبوظبي الصدارة بين مدن الشرق الأوسط من حيث جودة الحياة في تصنيف ميرسر لعام 2019 الذي سلط الضوء على الارتفاع الكبير في مستويات المعيشة في الإمارتين في ظل تحسينات في البنية التحتية وبيئة مواتية للشركات المحلية والأجنبية.

لقد استثمرت دولة الإمارات العربية المتحدة بقوة في المنشآت الترفيهية المشتملة على عناصر جذب متميزة على غرار بناء أكبر سوق ليلي في العالم وافتتاح كوكاكولا أرينا في دبي. وفي أبوظبي، هناك قصر الوطن، وهو معلم ثقافي يضم المطاعم والمقاهي ومتاجر التجزئة، بالإضافة إلى مكتبة عامة ومنشآت متنوعة.

وتقول دانا إن عناصر الرياضة والثقافة والترفيه سوف تستمر في الظهور بقوة في المشاريع الجديدة المنتظر إنجازها على مدار العقد المقبل.

ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما يجب عمله لتوفير وحدات سكنية ميسورة التكلفة. ففي دبي، يعاني الوافدون من ارتفاع أسعار الإيجار الذي يُمثل 41 بالمائة من دخولهم في المتوسط. وبالرغم من ذلك، 20 بالمائة فقط من الوحدات السكنية تصنف تحت فئة الوحدات السكنية ميسورة التكلفة، مما يؤثر على جودة الحياة.

وعندما ننظر إلى المملكة العربية السعودية، نجد أن تحسين البنية التحتية لا يزال ضمن الأولويات الوطنية على الرغم من المشاريع الجارية مثل مترو الرياض المقرر إنجازه في عام 2021، وقطار الحرمين السريع من المدينة إلى جدة المُنجز مؤخراً.

وتختتم دانا قائلة: "يُمثل الربط بشبكة الطرق والنقل ركيزة جوهرية في مشاريع التطوير العقاري، وبالتأكيد يستقطب قدراً أكبر من الاهتمام، ولعله أحد العوامل المؤثرة على إعادة تشكيل وتخطيط المشاريع الحضرية في المنطقة".

هل ترغب في معرفة المزيد؟ تواصل مع الفريق